Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
دراسات وابحاث

دراسة أوروبية تبرز أسباب انعدام العدالة الاجتماعيّة في الدول العربية

أبرزت مؤسسة “فنك” الأوروبية أسباب وأبعاد انعدام العدالة الاجتماعيّة واللامساواة في الدول العربية ومدى ترسّخ الفروقات الطبقيّة.

وبحسب المؤسسة تتنوع أبعاد انعدام العدالة الاجتماعيّة بين تلك التي تُعنى بالتفاوتات الكبيرة في توزّع الدخل والثروة، وتلك التي تقيس الفجوة الجندريّة وتفرقة البيئة الاجتماعيّة بين الرجل والمرأة من ناحية الفرص والإمكانات وحظوظ العمل والتعليم.

كما تشمل أبعاد اللامساواة إمكانات الحراك الاجتماعي، وقدرة الأجيال الجديدة على الترقّي اجتماعيًّا وطبقيًّا مقارنة بذويهم أو الأجيال السابقة.

وفي خلاصة الأمر، تدل كل هذه المؤشّرات إلى مدى ترسّخ الفروقات الطبقيّة والتمييز الجندري داخل مجتمع ما، بما يسمح في مرحلة لاحقة بفهم الآليّات والسياسات التي تعمّق هذه الفروقات أو تردمها، وبتحليل التداعيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تنتج عن هذا النوع من الظواهر.

أبعاد ومؤشّرات اللامساواة في الدول العربيّة

بالنسبة للدولة العربيّة، جاء تقرير منظمة الإسكوا الأخير ليقدّم مجموعة من المؤشّرات، التي خلص من خلالها إلى أنّ الدول العربيّة مجتمعة تحل في المرتبة الأولى عالميًّا من ناحية مؤشّرات اللامساواة، وهو ما نتج عن جملة من الظروف الأمنيّة والسياسيّة والسياسات الاقتصاديّة.

إذ أن 10% الأثرى من السكّان في الدول العربيّة، باتوا يستحوذون وحدهم على 58% من الدخل في المجتمع.

في المقابل، يتشارك ال50% الأقل قدرة في المجتمع نحو 8% فقط من الدخل. وهذه الأرقام بالتحديد، عكست مستوى كبيرا من التفاوت الطبقي، الذي يفوق مستوى التفاوتات في جميع مناطق العالم الأخرى.

فعلى سبيل المثال، وفي مقابل هذه الأرقام، لا تتجاوز حصّة ال10% الأثرى من المجتمع أكثر من 36% من الدخل على مستوى أوروبا، و55% في أميركا اللاتينيّة، و52% على مستوى العالم.

أمّا الأسوأ، فهو أنّ الدول العربيّة، وبحسب تقرير منظمة الإسكوا نفسه، لا تتمتّع بالكثير من إمكانات الحراك الاجتماعي بين الطبقات المختلفة.

وبمجرّد سقوط أسرة ما إلى ما دون خط الفقر، فمن المتوقّع أن ترث هذه الوضعيّة الأجيال المقبلة من هذه الأسرة.

وهذا النوع من الانعدام الحاد في إمكانات الحراك الاجتماعي، غالبًا ما ينتج عن غياب أو ضعف الخدمات العامّة، التي يفترض أن تؤمّن للفئات الأكثر هشاشة والأقل قدرة فرصا وإمكانات التعليم المجاني.

كما ينتج ذلك عن غياب شبكات الحماية الاجتماعيّة، التي يفترض أن تؤمّن الحاجات الأساسيّة لهذه اللأسر، عوضًا عن إبقاء هذه الشرائح الاجتماعيّة في دائرة الاستنزاف لأجيال متعاقبة.

أمّا على مستوى الفجوة بين الجنسين، والتي تعكس الفروقات بين الرجل والمرأة في فرص العمل والتعليم وغيرها، فمن المقدّر أن تحتاج المنطقة العربيّة إلى نحو 179 سنة لإطفاء هذه الفجوة، قياسًا ب142 سنة على مستوى العالم، ما يشير إلى أنّ الدول العربيّة ما زالت دون المتوسّط العالمي من ناحية مؤشّرات المساواة بين الرجل والمرأة.

مع الإشارة إلى أنّ الإحصاءات تظهر فارقا شاسعا ما بين الرجل والمرأة على مستوى معدلات البطالة والأميّة والدخل الفردي والتمكين السياسي. أمّا تفشّي وباء كورونا، وما رافقه من تداعيات على مستوى النمو الاقتصادي وإمكانات المؤسسات العامّة، فساهم في تعميق هذا الجانب من الأزمة إلى حد كبير.

عوامل تعميق الفروقات الاجتماعيّة والجندريّة

تتعدّد العوامل التي تؤدّي إلى توسّع هذا النوع من الفروقات الاجتماعيّة، والتي يحل في طليعتها في العادة عوامل عدم الاستقرار الأمني والحروب.

فخلال الاضطرابات العسكريّة، غالبًا ما تنشأ فئات واسعة من اللاجئين والمهجّرين قسرًا، الذين يعانون في سبيل تأمين أبسط الحاجات الأساسيّة، وهو ما يزيد تلقائيًّا من نسبة الشرائح الاجتماعيّة التي تعاني من فقر مدقع.

وهذا تحديدًا ما حصل خلال النزاعات العسكريّة التي شهدها كل من اليمن وليبيا والعراق وسوريا والصومال، حيث عانى اللاجئون من فقدان الأمن الغذائي والخدمات الصحيّة والتعليميّة، كما عانت شعوب هذه الدول من فقدان المؤسسات الرسميّة القدرة على تأمين أبسط الخدمات العامّة البديهيّة.

وتشير الأرقام إلى أنّ الدول العربيّة مازالت لا تنفق أكثر من 3% من قيمة ناتجها المحلّي على الخدمات الصحيّة، مقارنة بمستويات تتجاوز ال4% في كل من دول شرق آسيا وأميركا اللاتينيّة، ونحو 6% كمتوسّط عالمي.

ومع تراجع إنفاق الدول العربيّة على الخدمات الصحيّة العامّة، غالبًا ما تتكبّد الشرائح الأكثر هشاشة نسبة أكبر من مداخيلها في سبيل تأمين هذه الخدمات الصحيّة، وهو ما ينعكس بدوره على شكل فروقات طبقيّة إضافيّة بين الشرائح المختلفة.

وفي مقابل تراجع إنفاق الدول العربيّة على الخدمات الصحيّة، نجد أن نسبة الإنفاق على التسلّح ترتفع لتقارب ال6% في هذه الدول، مقارنة بمستوى لا يتجاوز ال2.25% على مستوى العالم.

وبذلك، يتبيّن أن تراجع الإنفاق على الخدمات العامّة يأتي لصالح تمويل النزاعات المسلّحة، وأدوات الحفاظ على السيطرة الأمنيّة، وهو ما يربط ظاهرة التفاوتات الطبقيّة بالنزاعات العسكريّة مجددًا.

أمّا توسّع الفجوات الجندريّة، فتتنوّع أسبابه الاجتماعيّة المؤسساتيّة والقانونيّة والقانونيّة. فمن جهة، تشمل هذه الأسباب الممارسات الاجتماعيّة الإقصائيّة، التي تفضّل في كثير من الأحيان الاستثمار في تعليم الأبناء الذكور، أو التمييز في توزيع الإرث بين الذكور والإناث، وهو ما يؤدّي في النهاية إلى تفاوت كبير في توزّع المداخيل والثروة بين الجنسين.

كما تلعب التقاليد المحليّة أدوارا كبيرة في منع النساء من ممارسة بعض المهن في بعض البيئات الاجتماعيّة، أو حصر مهامهن بمهن ذات أجور متدنيّة مقارنة بالمهن التي يمارسها الرجال، أو حتّى منعهن من دخول المدارس بشكل تام.

من ناحية أخرى، تساهم النزاعات المسلحّة في تعميق الفجوة بين الجنسين، نظرًا لتداعياتها التي غالبًا ما تطال النساء بشكل مضاعف في مخيّمات النزوح والمناطق المعرّضة لتوتّرات عسكريّة.

أمّا بالنسبة إلى الحراك الاجتماعي، وقدرة أبناء الأسر الفقيرة على الترقّي اجتماعيًّا، فغالبًا ما تتفاقم هذه المشكلة مع معدلات الفقر المرتفعة، التي تدفع بالأبناء إلى سوق العمل قبل الانتهاء من سنوات الدراسة.

كما يساهم في تعميق هذه الأزمة غياب التعليم الرسمي، الذي يفترض أن يعطي أبناء الأسر الفقيرة القدرة على تحصيل العلم، دون الاضطرار إلى تكبّد أقساط التعليم الخاص المرتفعة.

وفي حالة الدول العربيّة التي تمرّ بتخبطات أمنيّة وعسكريّة قاسية، ساهمت هشاشة المؤسسات الرسميّة وضعف إمكانات الدول في تهميش التعليم الرسمي إلى حد كبير، ناهيك عن التقليل من قدرة الدول على مواكبة النمو الديموغرافي بفتح مدارس وجامعات رسميّة جديدة.

خطوات لردم الفروقات الشاسعة

من الناحية العمليّة، على معظم الدول العربيّة الشروع بعمليّة تصحيح ضريبي واسعة، بما يسمح بإقرار ضرائب تصاعديّة تأخذ بعين الاعتبار دخل المكلفين ضريبيًّا، وبما يسمح بتوسيع قاعدة الجباية لتمويل الانفاق الاجتماعي.

وهذه الواردات الضريبيّة، يمكن أن تعطي هذه الدول موارد ماليّة بالغة الأهميّة لتمويل شبكات الحماية الاجتماعيّة والتعليم الرسمي والطبابة الحكوميّة، بالإضافة إلى برامج المساعدات المخصصة للفئات الأكثر هشاشة.

وهكذا، ستكون هذه الدول قد بدأت بالتأسيس لدور فاعل لها على مستوى تحقيق العدالة الاجتماعيّة، وتمكين الفقراء من استعمال هذه الخدمات العامّة للترقي اجتماعيًّا.

وبالتوازي مع هذه الخطوات، يُفترض أن تعزز الدول العربيّة أطر الحوكمة والشفافيّة، لمكافحة الفساد والهدر في الإدارة العامّة، اللذان يمثّلان سببا أساسيا من أسباب تركّز الثروة بيد القلّة الأكثر نفوذًا في المجتمع.

أمّا بالنسبة للمساواة الجندريّة، فعلى الدول العربيّة تكريس قاعدة إلزاميّة التعليم ومجانيته بالتساوي للجنسين، بما يسمح للنساء بالحصول على فرص متساوية مع الذكور في الترقي الاجتماعي والعمل لاحقًا.

كما يُفترض بهذه الدول أن تسارع إلى تطوير الأطر القانونيّة التي تحمي النساء من التهميش والتمييز الجندري في سوق العمل، بالإضافة إلى الأطر القانونيّة التي تحميهن من العنف الأسري وغيرها من الممارسات التي تضعهن في موقع المُستضعف اجتماعيًّا.

وفي الوقت نفسه، يقع على عاتق المؤسسات الدوليّة مسؤوليّة الحرص على وجود أطر الإغاثة والحماية خلال فترات النزاعات العسكريّة، لحماية النساء والأطفال من تداعيات النزاعات المسلحة.

وكل هذه الخطوات، يجب أن تندرج من ضمن خطط اقتصاديّة رسميّة شاملة، تعيد النظر ببنية الاقتصادات المحليّة، وبدور الدولة في صياغة سياسات إعادة التوزيع وحماية الفئات الهشّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى