منظمة أوروبية: الإمارات تتحول إلى مركز عالمي لتجارة ذهب النزاعات

في تقرير حديث لمنظمة SWISSAID السويسرية، وُصفت الإمارات العربية المتحدة بأنها أصبحت «العقدة المركزية» في شبكة عالمية لتجارة ذهب غير قانوني مرتبط بالنزاعات المسلحة، خصوصاً في السودان وإفريقيا الوسطى، إلى جانب الذهب الروسي الذي يمول الحرب في أوكرانيا.
وتكشف الأرقام الواردة في بيانات التجارة الدولية (UN Comtrade) لعام 2024، صورة صادمة عن عمق الدور الإماراتي في استقبال كميات ضخمة من الذهب المهرّب والمشبوه المصدر، رغم التشريعات التي تدّعي أبوظبي تطبيقها للرقابة على عمليات التوريد.
وتشير البيانات إلى أن الإمارات استوردت 29 طناً من الذهب مباشرة من السودان في عام 2024، مقابل 17 طناً في العام السابق، إضافة إلى كميات هائلة عبر الدول المجاورة: 27 طناً من مصر، 18 طناً من تشاد، و9 أطنان من ليبيا.
وتُعد هذه الدول الأخيرة «منافذ عبور» للذهب الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهي ميليشيا متهمة بارتكاب جرائم إبادة وعمليات تهجير واسعة في دارفور.
ويقول التقرير إن هذا النمط التجاري يثبت أن الإمارات تمثل الوجهة الأولى للذهب السوداني المهرّب، وهو ما وثقته SWISSAID مسبقاً في تقريرها الشهير «الذهب الإفريقي» الصادر في مايو 2025، والذي وصف دبي بأنها “غرفة غسيل الذهب الإفريقي”.
ولم يتوقف الأمر عند السودان، بل امتد ليشمل دولاً إفريقية أخرى لا تمتلك مناجم إنتاج كبيرة، لكنها تحولت إلى ممرات للذهب القادم من مناطق النزاع.
فالإمارات استوردت في عام 2024 31 طناً من أوغندا و19 طناً من رواندا، وهما بلدان يُستخدمان كمراكز لإعادة تصدير الذهب القادم من جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تخوض جماعات مسلحة صراعات دموية لتمويل نفسها من التعدين غير المشروع.
وفي مفارقة صارخة، أظهرت الأرقام أيضاً أن الإمارات استوردت 52 طناً من توغو بقيمة 4 مليارات دولار، رغم أن توغو لا تنتج عملياً أي ذهب. هذا ما تعتبره المنظمة دليلاً إضافياً على اتساع شبكة التهريب الإقليمي التي تتخذ من الإمارات وجهتها النهائية.
الذهب الروسي… مصدر تمويل موازٍ للحرب في أوكرانيا
في موازاة تجارة الذهب الإفريقي، تحولت الإمارات أيضاً إلى محطة محورية في تجارة الذهب الروسي التي تهدف إلى الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
فبحسب التقرير، استوردت الإمارات في عام 2024 66 طناً من الذهب من روسيا بقيمة 5.4 مليارات دولار، مقارنة بـ41 طناً فقط في 2023، إلى جانب 78 طناً من أرمينيا بقيمة 5.8 مليارات دولار، والتي تُستخدم عملياً كممر شبه حصري للذهب الروسي نحو الأسواق العالمية.
وتشير المنظمة إلى أن هذه الأرقام تكشف ثغرات جسيمة في نظام الرقابة الإماراتي، إذ إن القوانين المحلية – مثل «لوائح العناية الواجبة للتوريد المسؤول للذهب» التي أصدرتها الحكومة عام 2023 استناداً إلى معايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) – لم تُطبق فعلياً، ولم تمنع تدفق الذهب المرتبط بالحروب أو بالتمويل غير المشروع.
وقال مارك أوميل، رئيس قسم المواد الأولية في SWISSAID: “أمام مثل هذه الأرقام، ينبغي أن تُعاد الإمارات إلى القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF). فالمؤشرات كلها تؤكد أنها لم تفِ بالتزاماتها في مكافحة غسل الأموال وتمويل النزاعات.”
وأضاف أن «الذهب أصبح وسيلة مركزية لتمويل الصراعات، من السودان إلى أوكرانيا، ودبي تمثل عقدة العبور الرئيسية».
ولم تسلم سويسرا من الاتهامات بالتورط غير المباشر، إذ تستورد كميات ضخمة من الذهب الإماراتي دون معرفة دقيقة بأصله الحقيقي. بين يناير وسبتمبر 2025، استوردت برن 316 طناً من الذهب بقيمة 27 مليار فرنك سويسري – أي أكثر من ضعف المعدلات المعتادة.
ويحذر أوميل من أن هذا الارتفاع “مقلق للغاية بالنظر إلى حجم الذهب غير القانوني المرتبط بالنزاعات الذي يعبر عبر الإمارات”، مؤكداً أن غياب الشفافية الكاملة في قطاع المعادن الثمينة يفتح الباب أمام غسل الذهب الملوث بالنزاعات الإفريقية.
وفي محاولة لاحتواء الانتقادات، أعلنت جمعية المعادن الثمينة السويسرية (ASMP) عن نيتها إنشاء سجل لتتبع مصادر المعادن المصنعة في سويسرا بحلول عام 2026.
غير أن المنظمة السويسرية ترى أن هذه الخطوة لن تحقق الشفافية المطلوبة، لأن شركة Valcambi – وهي أكبر مصفاة تستورد الذهب من الإمارات – ليست عضواً في الجمعية، ما يعني أن بياناتها ستظل غير خاضعة للمراجعة العامة.
تدعو SWISSAID الحكومة السويسرية إلى مراجعة اللائحة الفيدرالية الخاصة بمراقبة المعادن الثمينة لتشمل إلزام المصافي بنشر بيانات مفصلة عن مصادر توريدها. كما تطالب بإعادة تقييم العلاقة التجارية مع الإمارات، وفرض قيود مشددة على استيراد الذهب منها إلى أن تلتزم بالمعايير الدولية للشفافية.
وتخلص المنظمة إلى أن الإمارات أصبحت مركزاً عالمياً لتجارة الذهب الملوث بالنزاعات، تجمع بين ذهب دارفور الملطخ بالدماء، والذهب الروسي المموّل للحرب في أوكرانيا، والذهب الكونغولي الخارج من مناطق النزاع.
وتحذر SWISSAID من أن استمرار هذا الوضع يجعل من دبي “ملاذاً آمناً لاقتصاد الذهب الأسود”، حيث تتقاطع رؤوس الأموال المجهولة، وشبكات المرتزقة، والتهريب العابر للحدود في قلب مدينة تسوّق لنفسها كعاصمة للرفاهية، بينما تتغذى من مآسي الشعوب.




