Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات الرأي

“فرنسا ـ أفريقيا” … خروج من الباب للعودة من النافذة

يُطرح سؤال شبه تأسيسي في حقل علاقات الدولة الفرنسية مع مستعمراتها السابقة في أفريقيا خصوصاً: هل يمكن بناء علاقات متوازنة بين فرنسا وأفريقيا على أنقاض التاريخ الاستعماري الطويل المعرّف والمعروف؟.

إنه سؤال ما فتئ يتكرّر في أروقة البحث العلمي الجادّ وأوراقه، كما في المقالات الصحفية، على تدرّج مستوياتها، التي تعالج مسائل مرتبطة بالنظرة الحديثة إلى العلاقات الدولية عموماً، وعلاقات فرنسا الخارجية خصوصاً.

وهو سؤالٌ ما زال يُشغِل الجسم الفكري الفرنسي دوناً عن سواه ممن سبق ومارس الاستعمار من دول غربية. ويبدو، بالتالي، أن هناك خصوصية فرنسية بالتعامل سلباً أو إيجاباً مع تفكيك هذا الملف الشائك.

وفي هذا الإطار، قد يميل القارئ العربي عموماً إلى حصر مشكلات هذه العلاقات وأزماتها في الملفّ المرتبط باستعمار الجزائر كما وحرب تحريرها، وما نجم عنهما من آثارٍ سياسيةٍ وثقافية واقتصادية.

وبالتالي، هو يتغاضى، في أغلب الأحوال، عن تاريخٍ “ثريٍّ” لفرنسا في دول أخرى ومناطق جغرافية مختلفة، يمكن أن ينجم عن متابعتها تحليلاً، ما يشبه الزمن الفرنسي في الجزائر وربما يضاهيه.

وغالباً يرجع السبب في هذه الرؤية الانتقائية إلى النقص الكبير في الأدبيات العربية، بحثاً وتحقيقاً، في هذا الحقل المعرفي الواسع.

وبعيداً عن التنافس الرقمي والتنازع التقليدي على اختيار من هو الضحية ومن هو الجاني، كما الصراع على من هو الأكثر تأثراً سلباً، ومن هو الأكثر تأثيراً إيجاباً، تستمرّ الاجتهادات التحليلية من كل الأطراف في تقييم درجة صراعات الذاكرة بين الشمال والجنوب، وفوائد الاقتصاد التي يجنيها هذا الطرف أو ذاك، بشكلٍ متساوٍ أو مختلّ، ومخاطر الهجرة نحو الشمال حيث ترتفع مشاعر العنصرية وتزيد الاحتياجات لليد العاملة، وتتعالى الأصوات للمطالبة بتعويضاتٍ عن سني الاستعمار، كما تنمو مكامن الاستنزاف المتبادل، وذلك على أقل اعتبار.

“فرنسا/ أفريقيا” عبارة توصيفية ما زالت متداولة. بدأ اللجوء إلى استعمالها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وقد وضعت أسس إدارة سياساتها، إلى جانب بعض الدبلوماسيين، نخبة من منظّري الاستعمار الحديث الذي يعني، في ما يعنيه، عودة المُستَعمِر بحلّة مختلفة عبر عدد متنوّع من المنافذ المتاحة، بعد إجباره، عنفاً أو تفاوضاً، على الخروج من الباب.

تفسَّر هذه العبارة سلباً لدى جزء كبير من مثقفي اليسار من الفرنسيين الذين تمايزوا نسبياً بالوقوف الى جانب قضايا الشعوب التي يجري استعمارها أو استنزاف ثرواتها، البشرية كما المادية، عبر سيطرة غير مباشرة.

في المقابل، لا يمنع هذا الانهماك في الدفاع عن الحقوق المشروعة، بعضاً كثيراً من هذا اليسار، من أن يستثني إسرائيل المُحتلة والمُستوطنة والمُنتهكة، وذلك لأسباب ذات بعد ديني و/ أو مرجعيات فلسفية تفاضلية بين البشر لا تجعل من هذا البعض من اليسار مختلفين البتة عن منظّري اليمين والمتطرّف منه تحديداً.

“فرنسا ــ أفريقيا” هي إذاً سياساتٌ يؤسّس لها المُستَعمِر التقليدي لتأطير علاقاته بالمُستَعمَر السابق، فهي تضمّ، في ما تضمّه، خططاً وبرامج نقدية واقتصادية ودبلوماسية وعسكرية.

وقد حلم الآباء المؤسّسون لهذه السياسة الالتفافية مع بداية انحسار الاستعمار المباشر بقرارٍ واضحٍ من الرئيس شارل ديغول، حين عودته الى الرئاسة سنة 1958، بأن تُحاكي منظمة الكومنولث التي تضم مستعمرات بريطانيا التي كانت عظمى سابقاً.

وعلى الرغم من فشل هذا التوجّه بإعادة إنتاج النموذج البريطاني، إلا أن هذه السياسة رافقت كل الرؤساء الذين تعاقبوا على قصر الإليزيه بتطبيقات متفاوتة في روحها الاستعمارية.

أهم قواعد هذه السياسة وجود حاكم مسيطِر ترضى به باريس أو تأتي به، لا فرق. ومن المفضّل، أحياناً، إن كان الأمر يتعدّى السيطرة الاستراتيجية، أن يكون فاسداً لكي يسهّل عمل الشركات الفرنسية أو تلكم متعدّدة الجنسيات الأقرب إلى فرنسا.

ومن خلال تحفيز العلاقات الاقتصادية، يؤسّس لمبادلاتٍ ماليةٍ عديدة الأبعاد، كما ويتدخّل النظام المصرفي في فرنسا عبر مصارفه الأكبر في إنشاء القطاع المصرفي وتسييره في البلد المعني. يُضاف إلى ذلك وجودٌ عسكريٌ وإداريٌّ وتعليميُّ مناسب يترافق مع موقع هام للغة موليير في الفضاء العام للبلد.

في بداية زيارته عدة دول أفريقية، بدءاً من 2 مارس/ آذار الحالي، صرّح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن فكرة “فرنسا ـ أفريقيا” قد انتهت، وبأن فرنسا صارت “طرفاً محاوراً محايداً” في القارّة الأفريقية.

وأعلن ماكرون سحب عدد كبير من القوات الفرنسية المتموضعة في عدة بلدان، مُؤثراً قيام تعاون متوازن في إدارة القواعد التي لا تزال ضرورية لمحاربة امتدادات العصابات الإرهابية.

وعلى الرغم من أن زيارته شملت دولاً تحكمها نظم استبدادية غير منتخبة، إلا أنه آثر تهميش مسألة الحريات وحقوق الإنسان، معتبراً أن الابتعاد عن الخوض في شجونها مع مستضيفيه كعلامة احترام لخصوصية كل بلد وعودة عن دور الواعظ السابق.

في المقابل، دعم الديكتاتوريات أو المساهمة في استمرارها في أفريقيا يكاد يقول بكل وضوح إن “فرنسا ـ أفريقيا” فكرة، والفكرة لا تموت!

 

للكاتب/ سلام الكواكبي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى