الصفقة القذرة.. مفترق طرق لعلاقات الإمارات مع الاتحاد الأوروبي
قالت أوساط دبلوماسية أوروبية إن “الصفقة القذرة” التي أبرمتها مؤخرا دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرا مع روسيا قد تشكل مفترق طرق في علاقات أبوظبي مع الاتحاد الأوروبي.
وذكرت الأوساط الدبلوماسية للمجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، أن دول الاتحاد الأوروبي لاسيما الفاعلة منها، تنظر بكثير من الغضب إلى سلوك الإمارات إزاء تأييد روسيا في غزو أوكرانيا.
وأشارت تلك الأوساط إلى أن الأوروبيين يعتزمون مراجعة دراجة العلاقات القائمة مع أبوظبي بعد أن أصابتهم بالصدمة من التحالف مع روسيا بديلا عن الانخراط في الإجماع الدولي في مناهضة حرب موسكو على أوكرانيا.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن دبلوماسي أوروبي أن الغربيين “أصيبوا بخيبة أمل كبيرة إزاء امتناع الإمارات عن التصويت مرتين، الجمعة والأحد، على قرارات في مجلس الأمن تتعلق بالحرب في أوكرانيا”.
وهدف هذا الموقف “كان تجنب استخدام روسيا حق النقض”، خلال تبني القرار الذي يمدّد حظر الأسلحة المفروض على جماعة الحوثيين في اليمن، على حدّ تعبير هذا المصدر، الذي تحدث شرط عدم الكشف عن هويته، وهو رأي مشترك على نطاق واسع من قبل الخبراء.
وأضاف دبلوماسي أوروبي طلب عدم الكشف عن هويته: “نحن مستاؤون جداً من الإمارات، ومقتنعون بأنهم أبرموا صفقة قذرة مع روسيا” مرتبطة بالحوثيين وأوكرانيا.
وفي 25 فبراير/شباط الماضي، قدَّمت الولايات المتحدة مشروع قرار إلى مجلس الأمن للتنديد بالغزو الروسي لأوكرانيا، ومطالبة موسكو بالانسحاب الفوري.
ولم يكن من المتوقَّع أن يمر مشروع القرار على كل حال، لأن استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) لم يكن محل شك، لكن الولايات المتحدة هدفت إلى عزل موسكو دبلوماسيا وإظهارها منبوذة من قِبَل المجتمع الدولي.
بيد أن جدار العزلة الأميركي اعترته الثقوب، بعد أن امتنعت 3 دول عن التصويت على المشروع الأميركي الألباني، أولى هذه الدول هي الصين، وكان موقفها متوقَّعا على كل حال.
أما الدولتان الأخريان، وهما الهند والإمارات العربية المتحدة، فتُصنَّفان ضمن قوائم الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، لذا فإن موقف الدولتين، وخاصة الإمارات (التي امتنعت عن التصويت للمرة الثانية على قرار يدعو الجمعية العامة إلى عقد جلسة عاجلة واستثنائية حول الهجوم الروسي على أوكرانيا، أثار غضب واشنطن وحلفائها الأوروبيين.
غير أن دلالات الامتناع الإماراتي من المرجَّح أنها تتجاوز الصفقة قصيرة الأمد حول الحوثيين وأوكرانيا إلى إرسال رسالة واضحة أن أبو ظبي لم تعد تصطف تماما مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد روسيا، وهي رسالة لافتة خاصة في لحظة مهمة يبدو فيها النظام الدولي بصورة عامة مُقبلا على تحوُّل ملموس في ميزان القوى.
وعلى الرغم من أن التبادل التجاري بين روسيا والإمارات سجَّل 3.3 مليارات دولار عام 2020، وهو رقم يبدو متواضعا مقارنة بالميزان التجاري الإماراتي الأميركي، فإنه مَثَّل قفزة في مستوى العلاقات التجارية بين البلدين.
واستمر معدل نمو حجم هذا التبادل بصورة لافتة خلال 2021، حيث زاد بنسبة تقترب من 80% مُسجِّلا نحو 5 مليارات دولار، وهو ما اعتُبر “مستوى قياسيا” في تاريخ علاقة البلدين.
بالإضافة إلى هذا، فإن الإمارات هي أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا، بحصة تبلغ 55% من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع موسكو، كما تحتل المرتبة الثانية عربيا (بعد مصر).
وتستحوذ الإمارات على 90% من الاستثمارات الروسية في المنطقة، كما أنها أكبر مستثمر عربي في روسيا بحصة تفوق 80% من إجمالي الاستثمارات العربية في روسيا.
أما من الناحية العسكرية، فالولايات المتحدة هي الشريك العسكري الأساسي لدول الخليج عموما. ومنذ حرب الخليج عام 1991 أصبحت الولايات المتحدة هي المورد الرئيسي للسلاح إلى الجيش الإماراتي، تليها دول غربية، في حين لا تظهر روسيا في الصورة ظهورا معتبرا.
فبحسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري”، مارس/آذار 2019، جاءت الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا في مُقدِّمة مصادر مشتريات الجيش الإماراتي من الأسلحة خلال الفترة من 2014 إلى 2018، بنسبة 64% من أميركا، و10% من فرنسا، و7.8% من تركيا.
وخلال الفترة من 2015-2019 تصدَّرت الولايات المتحدة وفرنسا وهولندا القائمة بنِسَب 68%، و11%، و3.4% على الترتيب، وفق تقرير آخر للجهة نفسها.
ولفهم الموقف الإماراتي الحالي، من المهم أن نضعه في سياق نهج السياسة الخارجية الجديد الذي تتبنَّاه أبو ظبي منذ أواخر 2019.
إذ عقب تعرُّض منشآت أرامكو السعودية لهجمات يُعتقد أن ميليشيات موالية لإيران تقف وراءها، قدَّرت الإمارات أن مستوى المخاطر في المنطقة بات مُهدِّدا للأمن الإقليمي، ومن ثم بدأت تراجع سياستها الإقليمية بهدف خفض مستوى التوتر الخارجي، حيث قرَّرت الانسحاب من اليمن، والتهدئة مع إيران، ثم التطبيع مع تركيا.
قرَّرت أبو ظبي أن الانخراط مع دول المنطقة في علاقات تجارية واقتصادية واسعة سيُحقِّق فرصا أكثر لاحتواء الخلافات ومن ثم خفض مستوى التهديدات.
لكنها بالتوازي مع هذا، شرعت في مسار تحالف أمني وثيق مع إسرائيل سعيا وراء تفوُّق تكنولوجي ومزيد من شبكات الحماية.
هذه السياسة استندت إلى افتراضين: الأول، أن الولايات المتحدة تتخلى تدريجيا عن التزاماتها تجاه المنطقة، ومن ثم تترك مجالا أوسع لقوى الإقليم لتشكيل الأجندة السياسية للمنطقة.
الثاني، أن الاعتماد الحصري على الولايات المتحدة قد لا يوفر الضمانات الأمنية الكافية في حال تعرُّض الدولة لتهديدات خارجية، وهو ما بدا أن السعودية تعاني منه بعد سحب واشنطن بطاريات باتريوت وتخليها عن تقديم الدعم العسكري المناسب في حرب اليمن.
وجاء الانسحاب الأميركي من أفغانستان ليُلقي مزيدا من الشكوك حول كفاية الرهان على حليف وحيد قد تتغير أولوياته، ومن ثم تُسجِّل الإمارات منحنى متصاعدا في تطوير التعاون العسكري مع الصين وروسيا.
صحيح أن الولايات المتحدة تبقى هي الشريك العسكري الأول لأبو ظبي دون منازع، وهو موقع ليس من المتوقَّع أن يتغير خلال السنوات القليلة القادمة، لكن الاستفادة من التعاون “غير المشروط” مع الصين وروسيا في ملفات أمنية ومشروعات تصنيع أسلحة مشتركة يبدو بالنسبة إليها خيارا منطقيا.
لم يكن امتناع الإمارات عن تأييد القرار الأميركي إذن إعلانا عن إقلاع الإمارات عن تحالفها مع واشنطن، ولكنه رسالة واضحة لواشنطن أن حلفاءها غاضبون لأنهم لا يتمتعون بمزايا التحالف كاملة، وأن تراجع واشنطن المستمر عن التزاماتها تجاه حلفائها يدفعهم لتنويع خياراتهم، وهو ما يُحتم عليهم أحيانا عدم التماهي مع مواقف واشنطن، التي لا تجد غضاضة في تجاهل مصالحهم في بعض المناسبات.