عثرات ومشاكل أمام عودة النظام السوري للجامعة العربية
شهدت الآونة الأخيرة جهود متعددة من أجل عودة النظام السوري للجامعة العربية، بيد أن هذه العودة تقف في طريقها بعض المعوقات.
وفي ضوء التغيّرات الإقليمية المتسارعة، يسعى الرئيس السوري بشار الأسد لكسر عزلته الإقليمية والدولية، بإعادة تطبيع العلاقات مع محيطه العربي.
ومع ذلك، يبدو أن تقبّل مساعي الأسد للعودة إلى الجامعة العربية قد لا يكون بالأمر السهل، بحسب تحليلي سياسي نشرته مؤسسة “فنك” الأوروبية.
وفي غياب أيّ حديث عن إعادة تأهيل النظام السوري ومستقبل سوريا، بات تطبيع العلاقات مع دمشق عنوانا تناقشه وزارات خارجية الدول التي قاطعت نظام الأسد بعد اندلاع الثورة ضده.
وبطبيعة الحال، فإن هذه النقاشات تدور في أروقة وزارات الخارجية الخليجية، لا سيّما مصر والإمارات والسعودية.
وقد تمثل هذه العودة نهاية لحقبة الجفاء التي طبعت علاقات معظم العرب بنظام الأسد. بيد أن تطبيع العلاقات هذا سيكون خصما من رصيد علاقات النظام مع روسيا وإيران.
وساطة مصرية وسعودية
اتفقت مصر وسوريا مؤخرا على تعزيز التعاون. وجاء ذلك خلال أول زيارة رسمية يقوم بها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للقاهرة منذ ما قبل اندلاع الأزمة السورية في عام 2011.
وكانت الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى دمشق أحدث مؤشر على إصلاح العلاقات بين الدول العربية ونظام الأسد.
وفي هذا السياق، كشف مصدرٌ مصري أن زيارة شكري استهدفت التمهيد لعودة سوريا إلى الجامعة العربية عبر وساطة مصرية وسعودية.
واستغل الأسد الزيارة لإعطائها بعداً يتجاوز العلاقات المصرية السورية. واعتبر أن “العمل لتحسين العلاقات بين الدول العربية بشكل ثنائي هو الأساس لتحسين الوضع العربي بشكل عام”.
وأجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالا مع نظيره السوري إثر الزلزال الذى ضرب سوريا وتركيا. ويعد هذا الاتصال الأول بينهما منذ تولي السيسي السلطة في مصر عام 2014.
وبخلاف دول عربية عدّة قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا وأغلقت سفاراتها في دمشق، أبقت مصر سفارتها مفتوحة في دمشق طيلة سنوات النزاع.
كما زار رئيس المخابرات السورية اللواء علي المملوك القاهرة عام 2016، في أول زيارة رسمية إلى الخارج منذ اندلاع الحرب في بلاده. ومع ذلك، خفّضت القاهرة من مستوى التمثيل الدبلوماسي وعدد أفراد بعثتها في دمشق.
وتمثّل الدعوة التي تلقاها الأسد من نظيره المصري لزيارة القاهرة بداية عودة الرئيس السوري إلى المجال العربي. وظهر الحديث عن إمكانية مشاركة الأسد في القمة العربية المقبلة التي ستعقد في مايو 2023 في السعودية.
ورغم أن الدعوة باتت منطقية بعدما زار الأسد الإمارات مؤخرا، فإن القاهرة أبقتها في إطار الأمر المحتمل، على اعتبار أنّ “كلّ شيء وارد في العمل الدبلوماسي”.
إجماع عربي مفقود
في خطوةٍ ستساعد على إنهاء عزلة النظام السوري إقليمياً بشكل رسمي، تسربت معلومات عن اعتزام السعودية دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمة العربية المرتقبة.
ومهد لذلك وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، عبر الإعلان عن الحاجة لحوار مع دمشق. ويأتي ذلك في ضوء ما وصفه الوزير السعودي بـ “الإجماع الذي بدأ يتشكل عربيا على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”.
بالتوازي مع ذلك، تحدثت وسائل إعلام إماراتية عن تأييد شعبي ملحوظ لعودة سوريا للجامعة العربية.
ووفقا لمصدر مطلع بالجامعة العربية فإنّ هناك حاجة لما وصفه بـ “توافق عربي رسمي” قبل منح سوريا مقعدها مجددا لدى الجامعة العربية. وكان النظام السوري قد حرم من مقعد سوريا في الجامعة بإجماعٍ عربي بعد اندلاع الأزمة السورية.
وأضاف المصدر: “هناك رأي عام أكثر إيجابية لعودة سوريا، لكنه لم يترجم بعد إلى مسار إجرائي”. وبحسب المصدر، فإنّ تواجد الرئيس السوري في مقر الجامعة العربية خلال زيارته المحتملة إلى القاهرة ليس مطروحا قبل إنهاء موضوع تجميد عضوية سوريا.
ومع ملاحظته عدم تحمس بعض الأطراف، يعتبر المصدر نفسه أن إنهاء التجميد وعودة سوريا هو أفضل السبل لمعالجة المشاكل القادمة منها.
لكنه أكد في المقابل على أن هذه العودة المحتملة “ليست مسألة سهلة، كونها تتضمن مشاكل بالجملة”.
وقال المصدر “هدف السوريين هو عودة الإعمار والاعتماد على أموال الخليج في ذلك. وعودة الإعمار مرتبطة ارتباطا وثيقا ببقاء النظام السوري، لأن وضعه الحالي مزعزع جدا”.
ملف العقوبات
يرى المصدر العربي أن رفع العقوبات هي المسألة التالية في عودة سوريا. يأتي ذلك وسط تساؤلات حول إذا ماذا كانت كلّ الدول العربية ستتخذ نفس الموقف أو يحدث تفكك في الموقف العربي حيال الضغوط الغربية والأمريكية.
كما أنّ وقوع سوريا في فلك إيران وروسيا يضع العرب في صدام مباشر مع هذه الضغوط. ويأتي ذلك في ظل مرحلة حساسة تموج بالكثير من التطورات الإقليمية وتشكيل تحالفات تمس المصالح الأمريكية والغربية في منطقة الشرق الأوسط.
والمحاولة الحالية لتأمين عودة سوريا إلى الجامعة العربية ليست الأولى من نوعها. وسعى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لدى استضافة بلاده للقمة العربية الأخيرة لمشاركة الأسد فيها. ومع ذلك، اصطدمت محاولات تبون برفضٍ خليجي، وتحديدا من السعودية وقطر.
واعتقد تبون أنه بالإمكان إعادة سوريا للجامعة العربية من البوابة الجزائرية. ومع ذلك، فقد أظهر البيان الختامي للقمة عدم وجود إجماع عربي حول هذا الأمر. واكتفى البيان بتسجيل “ضرورة مساهمة الدول العربية المشتركة على مستوى القادة في التوصل إلى حل سياسي في سوريا”.
ويمثل حضور الأسد القمة العربية المقبلة أهم تطور في مساعي إنهاء العزلة المفروضة عليه من العالم العربي منذ عام 2011. كما أن هذا الحضور يشكل خطوةً رمزيةً تعكس تغييرا في النهج الإقليمي تجاه الملف السوري.
وبينما تطارد الولايات المتحدة نفوذ روسيا في مختلف أنحاء العالم، فإنها تسعى عبر حلفائها في المنطقة لاستغلال اللحظة لتحجيم النفوذ الروسي في دمشق. وعلى الأقل، فإن واشنطن تحاول تحييد هذا النفوذ بعيدا عن مصالحها الحيوية في الإقليم.
في المقابل، تلعب روسيا، الحليف الرئيسي للأسد، على وتر تراجع النفوذ الأمريكي وفعاليته في منطقة الشرق الأوسط. وتسعى موسكو لمساعدة الأسد عبر تحسين علاقاته مع تركيا.
وبعد سلسلة لقاءات تشاورية غير رسمية، يستعد وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو للاجتماع مع نظرائه في روسيا وإيران وسوريا في مايو 2023.
وكما هو معروف، فقد دأبت تركيا على تقديم الدعم للمعارضة السياسية والمسلحة المناهضة للأسد خلال الأزمة السورية المستمرة منذ 12 عاما. وأرسلت أنقرة قواتها إلى مناطق شاسعة في شمال سوريا.
الأسد يتصور نفسه المنتصر ويتصرف على هذا النحو. وهو يعتقد أن هذه هي اللحظة الأنسب لفرض شروطه على تركيا.
وتشمل تلك الشروط إنهاء التواجد التركي العسكري على الأراضي السورية، ووقف دعم التنظيمات المسلحة والمساعدة في مكافحة الإرهاب ووقف التدخل في شؤونها الداخلية.
وفي مؤشر على صعوبة المفاوضات التركية السورية، اعتبر ميخائيل بوغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، أنّ مسار تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا طويل. ووفقاً لبوغدانوف، فإنه “لا يمكن حلّ جميع الملفات والمسائل ومناقشتها في جولة واحدة أو أكثر”.
وتجاهلت بعض الأطراف العربية كمصر والإمارات والسعودية معارضة الولايات المتحدة وقطر لإعادة بناء الروابط مع الأسد.
وبدا مؤخراً أن هذه الدول مستعدة لانفتاحٍ أكبر تجاه دمشق بغض النظر عن “وحشية حكومته خلال الصراع والحاجة لتحقيق تقدم تجاه حل سياسي في سوريا”.
ويرى محللون أن الأسد اعتبر أن التضامن الواسع معه إثر الزلزال “فرصة” لتسريع تطبيع علاقاته مع محيطه الإقليمي، خصوصا في أعقاب استئناف إيران العلاقات مع السعودية بعد قطيعة استمرت سبع سنوات.
وبينما تعاني المعارضة السورية من انحسار الدعم وفتور المساندة جراء هذا التحسن النسبي، نفى شاووش أوغلو انتظار نظام الأسد نتائج الانتخابات في تركيا.
وقال شاووش أوغلو في هذا الصدد: “عقد لقاءات مع النظام أو الأسد أو وزرائه لا يحقق فائدة في الانتخابات لحزب العدالة والتنمية بل على العكس ربما يجلب الضرر”.
توظيف الكارثة
عمل النظام السوري فعلياً على توظيف كارثة الزلزال وتداعياته الإنسانية لكسر عزلته. بيد أن ذلك لا يعني كلّ الدول بصدد التطبيع مع النظام السوري بما يخرجه من عزلته الدولية ويرفع العقوبات عنه ولو تدريجياً.
لا يبدو أن حلفاء أمريكا يكترثون بتململها واعتراضها على تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، رغم أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين تظهر اعتراضهم على التطبيع مع الحكومة السورية.
وفشلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على مدى الأعوام الثلاث الماضية في منع خروج دمشق من العزلة. واعتبرت الصحفية الألمانية كريستين هيلبيرغ تلك العودة بمثابة “عودة طاغية الشام إلى حضن السلطويين العرب”.
ومحاولات إذابة عزلة سوريا ليست الأولى من نوعها. ومع ذلك، فإن المحاولة الجديدة ستكرّس مكافأة القوة في المنطقة واستمرار نظرية الحكم بحد السيف.
ويرى محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ريان بول أن احتفاظ الأسد بالسلطة خلال العقد الماضي يضع نموذجا لكيفية النجاة حتى في أسوأ سيناريو لانتفاضة شعبية شاملة.
ووفقاً لبول، فإن الأنظمة والجهات الفاعلة غير الديمقراطية الأخرى في المنطقة تخاطر برؤية نجاح الأسد كدليل على نجاح خيار استخدام القوة في قمع التهديدات.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المزاج الرسمي العربي ما يزال يحاول الاستفادة من التراجع الأمريكي في الإقليم لبناء تحالفات غير نمطية مع الصين وروسيا وإيران وتركيا.
وبطبيعة الحال، فإن النظام السوري يستفيد من هكذا وضع لتغليب بقائه في الحكم على أي رؤية حقيقية لمستقبل الشعب السوري.