Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

فرنسا تتقرّب من المغرب في ظل توتر في علاقاتها مع الجزائر

شهدت دبلوماسية فرنسا مؤخرا تقربا لافتا من المغرب، في الوقت الذي وصلت فيه العلاقات الفرنسية الجزائرية إلى طريق مسدود.

وفي أول رحلة رسمية له إلى المنطقة المغاربية، توجه ستيفان سيجورني إلى المغرب يوم 25 فبراير/شباط 2024، بحسب ما أبرز موقع (أوريان21) الفرنسي.

وقد حدّد وزير الخارجية الفرنسي من خلاله حسابه على منصة (X) أنه مكلف من قبل إيمانويل ماكرون بـ”فتح فصل جديد” في العلاقات بين البلدين.

يتعلق الأمر بوضوح بإرادة في إنهاء سلسلة من الأزمات التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2020، عندما أعلن دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. ب

والنسبة للرباط، كان على فرنسا، الحليف غير المشروط والداعم المستمر، أن تسير على خطى واشنطن. لكن هذا الانحياز إلى الموقف الأميركي لم يحدث.

اضطراب على الخط

توترت العلاقة أكثر قليلاً في سبتمبر/أيلول 2021، عندما قرّرت باريس خفض منح التأشيرات للمغربين إلى النصف، بينما قرر إيمانويل ماكرون في نفس الوقت الاقتراب من الجزائر.

تشهد على ذلك زيارة “رسمية وصداقة” قام بها الرئيس الفرنسي، مرفقا بجزء كبير من حكومته في أغسطس/آب 2022، والتوقيع على إعلان مشترك يدعو إلى “ديناميكية جديدة لا رجعة فيها”.

كان لدى فرنسا آنذاك بعض الأسباب للابتعاد عن المغرب، حيث لم يُعجبها ما كشفه اتحاد وسائل الإعلام Forbidden Stories، والذي جاء فيه أن العديد من الهواتف – بما في ذلك هواتف رئيس الدولة وبعض وزرائه – قد تم استهدافها باستخدام برنامج بيغاسوس الإسرائيلي. وقد نفت الرباط ذلك، لكن الثقة بين البلدين تزعزعت.

شهدت الأزمة تصعيداً في يناير/كانون الثاني 2023، عندما أصدر البرلمان الأوروبي قراراً يدين تدهور حرية الصحافة في المغرب، والاستخدام التعسفي لمزاعم الاعتداء الجنسي كوسيلة لردع الصحفيين.

وأكّد القرار من جهة أخرى عن قلق المؤسسة الأوروبية بخصوص تورط المغرب المفترض في فضيحة الفساد داخلها.

تصويت البرلمان الأوروبي

وقد ردّ المغرب بشدة على هذا الاتهام، خاصة وأنه يرى أن هذا التصويت – الذي يعتبره جزءا من حملة معادية مفترضة ضد المغرب في بروكسل – قد حظي بدعم كبير من قبل أعضاء البرلمان الأوروبي الفرنسيين من كتلة “تجديد أوروبا”، ولا سيما من قبل زعيم هذه المجموعة آنذاك ستيفان سيجورني.

ولم يخفت غضب الرباط ولم تغيّر في الأمر شيئا مرافعة سفير فرنسا في المغرب كريستوف لوكورتييه، الذي أكّد أن “هذا القرار لا يُلزم فرنسا بأي شكل من الأشكال”. كما لم يشفع اعتراف فرنسا بالذنب الذي عبّر عنه نفس السفير بشأن قرار بلاده تخفيض عدد التأشيرات.

وعلى الرغم من هذا التوتر الشديد والاتهامات التي وجّهتها الصحافة المغربية المقربة من النظام إلى الرئيس ماكرون، ما انفك الأخير طوال عام 2023 يُظهر تصميمه على تجاوز هذا التسلسل من التوترات والأزمات والعداوات.

وهو يعلم أن سياسة فرنسا تجاه المنطقة المغاربية لا يمكن أن تسمح بتكريس خلافات على المدى الطويل مع إحدى الدول المغاربية أو الأخرى.

فالقرب الجغرافي والتاريخ الاستعماري ووجود جالية كبيرة من شمال إفريقيا في فرنسا، ناهيك عن التبادلات الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية، كل هذا يملي أن تكون العلاقات هادئة.

وقد بدت الطبقتان السياسيتان للبلدين وكأنهما انحازتا لانفراج الأزمة، وفق ما يمكن قراءته من خلال استئناف التعاون.

لكن الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز في الأطلس الكبير في 8 سبتمبر/أيلول 2023 أظهر أن كل العلاقات الخارجية للمغرب صارت ترتكز على قضية الصحراء الغربية.

أشار المغرب من خلال عدم استجابته لعرض المساعدة الفرنسي، بينما قبل عروض إسبانيا والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة وقطر، إلى أن باريس لم تعد تُحسب من بين الدول الصديقة.

وفي 12 سبتمبر/أيلول 2023، قرر إيمانويل ماكرون مخاطبة المغاربة مباشرة، في مقطع فيديو نُشر على X، ذكّر فيه باستعداد فرنسا للمساعدة، مشيرا إلى أن الأمر يعود “لجلالة الملك وحكومة المغرب، بطريقة ذات سيادة كاملة، لتنظيم المساعدات”.

وقد لاقت هذه المبادرة استقبالاً سيّئا جدا في المغرب، حيث ساد شعور بأن رئيس الدولة الفرنسية سعى عمداً إلى تجاوز الملك. وبالتالي بعد أن بدأ الانفراج يترسخ، ترك المجال لمرحلة جديدة من التوتر.

مسألة الصحراء الغربية لا تزال معلّقة

يدرك إيمانويل ماكرون أن الرباط تنتظر من فرنسا اعترافًا واضحًا بمغربية الصحراء، وأن هذا الاعتراف هو الشرط الذي يضبط العلاقة بين البلدين.

وكان قد سبق وأوضح الملك في أغسطس/آب 2022، إن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.

وتجلّى انعطاف موقف فرنسا بشأن هذه القضية بوضوح في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عندما أعلن نيكولا دي لا ريفيير، مندوب فرنسا الدائم لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة لمجلس الأمن: “أتذكر دعم فرنسا التاريخي، والواضح والمستمر لمخطط الحكم الذاتي المغربي. هذه الخطة مطروحة على الطاولة منذ عام 2007. لقد حان الوقت للمضي قدمًا”.

ولم تكن المهمة التي أوكلت إلى ستيفان سيجورني خلال هذه الرحلة سهلة. فقد كان عليه إجراء اتصال بنظيره ناصر بوريطة، الذي لم يسبق أن التقى به، وإعادة ترميم العلاقات بين البلدين، وعلى الخصوص إعطاء تطمينات للمغربيين بشأن الصحراء الغربية.

سيجورني الذي كان يعلم أنه جد منتظر بشأن هذه المسألة، بادر إلى القول بأنها “مسألة وجودية بالنسبة للمغرب والمغربيين، وفرنسا تعرف ذلك”.

دعم لخطة الحكم الذاتي

ومع ذلك، وعلى الرغم من الانتظار، كان الوزير غير قادر على الإدلاء بتصريح مهم بخصوص هذه القضية الحساسة للغاية.

وحجم الرهان يجعل خطوة كهذه تعود حصريا إلى رئيس الدولة، إذ تُعتبر الدبلوماسية مجال صلاحياته المحجوز، في الإطار الرسمي لزيارة الدولة المقرر إجراؤها قبل فصل الصيف.

ومع ذلك، أكّد ستيفان سيجورني من جديد أن “فرنسا تريد حلاً سياسياً عادلاً ودائماً ومقبولاً للطرفين، وفقاً لقرارات مجلس الأمن”. وأن باريس، التي كانت أول من دعم خطة الحكم الذاتي لعام 2007، “ترغب في المضي قدما بهدف التوصل إلى حل عملي وواقعي ومستدام يقوم على التَراضي”.

بهذه الملاحظات، يُظهر رئيس الدبلوماسية الفرنسية أن بلاده تريد، مع رغبتها في المضي قدما، الحفاظ على علاقتها مع الجزائر، ولكن دون أن تختار تقرير المصير الذي تسعى إليه جبهة البوليساريو والجزائر.

وبذلك، فإن فرنسا لا تحيد عن خياراتها السابقة، وهي موجودة بالفعل في الصحراء الغربية، كما يشير ستيفان سيجورني، حيث ذكر وجود مدرستين فرنسيتين في العيون والداخلة، ومركز ثقافي متنقل في العيون والداخلة وبوجدور، أي في المدن الرئيسية للصحراء الغربية.

ويُعدّ ذلك اعترافاً فعليًّا من فرنسا بمغربية هذا الإقليم الذي لم تفصل فيه الأمم المتحدة.

لا تكتفي فرنسا بهذا الحضور في مجالي التعليم والثقافة. وقد أوضح الوزير أن باريس تعتزم الاستثمار في هذه المنطقة، في مجالات مختلفة، سواء الطاقات المتجددة أو السياحة أو حتى الاقتصاد الأزرق المرتبط بالموارد المائية.

لكن سيجورني بقي حذرا، فهو يعلم أن استغلال وتسويق موارد هذه المنطقة، التي لا تزال من الأقاليم “غير المتمتعة بالحكم الذاتي” بالنسبة للأمم المتحدة، قد يكون موضوع شَكْوَى جديدة من جبهة البوليساريو أمام محكمة عدل الاتحاد الأوروبي. كما حرص على الإشارة إلى أن هذه الاستثمارات ستتم “لصالح السكان المحليين”.

ستندرج الاستثمارات المعلن عنها ضمن شراكة وصفها الوزير بـ“الطليعية” والتي ستمتد على مدى الثلاثين سنة القادمة.

لقد طُويت صفحة، إذ لم تعد فرنسا تتحدث عن الصحراء الغربية من منظور الماضي، بل تتطلع إلى المستقبل، من خلال مشروع يمكن اعتباره استباقاً فرنسياً لدمج الصحراء الغربية في المغرب.

من الصعب تجاهل ما يحمله هذا الموقف الفرنسي الجديد من خيبة أمل بعد التقارب الذي باشره إيمانويل ماكرون مع الجزائر ما بعد الحراك.

ففي عام 2022، وفي سياق الحرب في أوكرانيا، تقرّب الكثيرون من الجزائر طمعاً في غازها. ربما تكون فرنسا، التي يأتي 11% فقط من استهلاكها من الغاز من الجزائر، قد بالغت في تقدير قدرة البلاد على توريد الغاز إلى الدول الأوروبية.

ففي غياب الاستثمار، فإن قدرة الجزائر على تصدير الغاز لا يمكن أن تتجاوز الكميات المصدرة اليوم، والتي تعادل 5% من الغاز الذي تحتاجه أوروبا.

على المستوى الإقليمي، تشهد الجزائر، التي تم الترويج لعودتها إلى الساحة الدولية في 2022، تراجع في منطقة الساحل.

في مالي، ألغى المجلس العسكري الحاكم اتفاق الجزائر للسلام والمصالحة الموقع في عام 2015.

تلاحظ فرنسا التي اعتقدت أنه بإمكانها الاعتماد على الجزائر بعد انسحاب قواتها من الساحل، أن المغرب هو المستفيد من فقدان نفوذها في مالي، وكذلك في النيجر، وبأن المغرب ينوي استغلاله بالفعل.

وفي 23 ديسمبر/كانون الأول 2023، استقبل المغرب أربعة من دول الساحل في مراكش وعرض عليها منفذا إلى المحيط الأطلسي عبر الداخلة. من المرجح أن هذا المشروع المكلف وغير المجدي إلى حد ما لن يرى النور، لكن التقارب بين هذه الدول والمغرب واضح.

الزيارة المعلنة للرئيس عبد المجيد تبون

لفترة طويلة ظلت الزيارة التي سيقوم بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا، والتي تم الإعلان على أنها تكون في الخريف المقبل، مشروطة بقضايا لا تزال تلقي بثقلها على العلاقة بين البلدين، مثل مسائل الذاكرة، أو التعاون الاقتصادي، أو التجارب النووية في الصحراء الجزائرية، أو إعادة سيف وبرنس الأمير عبد القادر.

وقد أظهر تقرير النائب فريديريك بيتي المتعلق بالعلاقات بين فرنسا والجزائر، أنه لا يوجد أي شيء بسيط في العلاقة بين البلدين. وذكر على وجه الخصوص أن “التعاون بين الدولتين يظل مهددًا بالعداء لفرنسا”، وهو ما يمكن رؤيته، على سبيل المثال، في الميل إلى اختزال اللغة الفرنسية في لغة المستعمر.

وعلى الصعيد الاقتصادي، أبرز التقرير أيضا صعوبات التعاون، حيث تواجه الشركات الفرنسية العاملة في الجزائر قيود مراقبة الصرف، وهو أمر ليس جديدا.

من المرجح أن تكون هذه الصعوبات هي التي دفعت إيمانويل ماكرون إلى الشروع في كتابة فصل جديد في العلاقات مع المغرب، من خلال إعادة النظر في ملف الصحراء الغربية.

ويلاحظ قادة حزب “النهضة” الرئاسي أن هناك استعداداً، على يمينهم ويسارهم، للسير على خطى الولايات المتحدة الأمريكية في الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية.

فخلال زيارتهما إلى المغرب في مايو/أيار 2023، أعلن إريك سيوتي (حزب الجمهوريين اليميني) ورشيدة داتي – التي كانت لا تزال عضوة في حزب الجمهوريين، ولم تكن بعد وزيرة للثقافة –: “نحن نعترف بسيادة المغرب على الصحراء”، معبّرين في نفس الوقت عن دهشتهم من “الانتحاء الجزائري لإيمانويل ماكرون”.

بعد زلزال أكتوبر/تشرين الأول 2023، نفى جان لوك ميلينشون، أثناء رحلة إلى المغرب، وجود أي صلة بين حركة “فرنسا الأبية” وقوى أخرى غير الأحزاب السياسية، ليبدو وكأنه يستبعد أي اتصال مع جبهة البوليساريو.

وذلك مع التأكيد أن الموقف الذي اتخذته إسبانيا والولايات المتحدة وإسرائيل (أي اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء) قد “غيّر نظرة العالم إلى هذه القضية”، وأعرب عن أمله في أن “تتفهم فرنسا ذلك”.

ومن المرجح أن ينضم الرئيس ماكرون إلى هذه المواقف. لكن بالنسبة إليه، فإن الأمر لا يتعلق باتباع النموذج الأمريكي، بل بالمضي قدما في دعم بلاده للمغرب. إنها طريقة للبقاء مخلصا لخيارات فرنسا الدبلوماسية، وأن يكون، مرة أخرى، هو “سيد الوقت”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى