Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات الرأي

مخاطر ازدواجية المعايير تلاحق أوروبا والولايات المتحدة

تحمل حرب إسرائيل على قطاع غزة في طياتها مخاطر كبيرة على الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية لنفاقها وازدواجية معاييرها.

فقد يؤثر ذلك على قدرة الولايات المتحدة في الحشد لعدد من القضايا، لا سيما الحرب الأوكرانية. كما أن سياسة الانحياز الشديد تجاه إسرائيل التي يتبعها بايدن قد أثارت عاصفة من الاتهامات بالنفاق السياسي وازدواج المعايير.

ولم تستجب الولايات المتحدة ولا أوروبا لدعوات المطالبة بتطبيق معايير القانون الإنساني الدولي وقوانين الحرب نفسها في الحرب على غزة مثلما تؤيدها في أوكرانيا.

ولخّص دبلوماسي غربي الموقف قائلاً: “إننا نخسر تعاطف شعوب الجنوب العالمي وتأييدهم. فقد فقدنا مصداقيتنا وأسسنا الأخلاقية، وصارت عبارات مثل النظام العالمي المبني على القواعد مجرد حديث لا معنى له. وما عاد ينفعنا شيء في هذه المرحلة مهما فعلنا. كيف يمكن أن يتعامل الجنوب العالمي مع حديثنا عن حقوق الإنسان العالمية والقانون الدولي بجدية بعد الآن إذا كنا نحن أول من يبادر إلى التخلي عنها؟”

أما مجلة ذي إيكونوميست البريطانية فقد كانت أكثر تفاؤلاً، إذ ترى أن “الولايات المتحدة ما يزال أمامها خيارات كثيرة تقدّمها، خاصةً إذا عملت مع حلفائها على تعزيز الأمن وضمان تدفق حركة التجارة. وما تزال المُثُل الأمريكية، وإن لم تتحقق في الواقع بصورة مثالية، تجذب الناس من كل أنحاء العالم على نحو لم تصل إليه الشيوعية الصينية”.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد صوتت الأسبوع الماضي لصالح قرار يدعو إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية في غزة”، وهو ما يشي بكثير في هذا السياق.

وقد صيغ القرار بلغة محددة بغرض تجاوز رفض الولايات المتحدة الدعوة إلى وقف إطلاق النار، والإصرار بدلاً من ذلك على عبارات مثل “هدنة إنسانية” أو “ممرات إنسانية“.

وفي حديثه لأحد البرامج على شبكة سي بي إس، أصرّ مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان على أن “الهدنة الإنسانية ستمثل خطوة جيدة لإخراج الرهائن، ولكن لا شك في أن حماس ستحاول استغلالها لصالحها أيضاً. وهذا هو الموقف الذي تواجهه إسرائيل”.

وفي الوقت نفسه، قال سوليفان إن استخدام حماس المزعوم للمدنيين دروعاً بشرية “لا يقلل من مسؤولية إسرائيل في التمييز بين الإرهابيين والمدنيين الأبرياء وضرورة حماية أرواح المدنيين الأبرياء في أثناء قيامهم بالعملية العسكرية. وينطبق ذلك على الضربات الجوية والعملية البرية”.

وأضاف سوليفان: “يمنع القانون الدولي الإنساني استهداف المستشفيات، فهي ليست أهدافاً عسكرية”.

وفي مقابلة أخرى على قناة “أيه بي سي”، اعترف سوليفان بأن آلاف المدنيين الفلسطينيين الأبرياء قد قُتلوا في الغارات الجوية الإسرائيلية، لكنه لم يعدّ قتلهم ضمن انتهاكات القانون الدولي.

وقال سوليفان: “قُتل آلاف المدنيين الفلسطينيين في هذا الصراع، وتلك مأساة فظيعة. أولئك الناس لم يستحقوا الموت، بل استحقوا عيش حياة لها حُرمة يسودها السلام والكرامة”.

وقبل ذلك، شكك الرئيس جو بايدن في أعداد القتلى الفلسطينيين التي أعلنت عنها وزارة الصحة في غزة التابعة لحركة حماس.

ويشير محللون فلسطينيون إلى أن الولايات المتحدة قد تكون متواطئة في الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي من خلال مساعدتها في القصف الإسرائيلي العشوائي والتحريض عليه.

وقد حث أكثر من 250 محامياً بريطانياً بارزاً حكومتهم في رسالة مفتوحة على “اتخاذ خطوات عاجلة” لضمان امتثال المملكة المتحدة بالالتزامات المقررة في اتفاقيات جنيف، ومنها عدم التشجيع أو المساعدة على انتهاكات القانون الإنساني الدولي التي قد ترتكبها أي دولة.

وكانت قد أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أنها تلقّت تحذيرات “بالإخلاء الفوري” لمستشفى القدس في غزة.

ونقل الصحفيون في غزة أن المستشفى يأوي مئات الجرحى ونحو 12 ألف نازح.

وضربت الغارات الجوية الإسرائيلية مناطق محيطة بمستشفى القدس وكذلك مستشفى الشفاء في مدينة غزة.

ويظهر في مقطع فيديو نشرته جمعية الهلال الأحمر على موقع إكس (تويتر سابقاً) الناس في مستشفى القدس وهم يغطون أفواههم داخل المبنى بسبب كثرة الدخان.

وفي المقابل، تصرّ إسرائيل على أن حماس تتخذ من المستشفيات مقرات للقيادة وستارا تخفي تحته شبكة الأنفاق.

وحصل قرار الأمم المتحدة على موافقة أغلبية الأعضاء رغم اعتراض الولايات المتحدة على غياب أي إدانة لحماس بالاسم بسبب قتلها أكثر من 1400 إسرائيلي معظمهم من المدنيين خلال هجومها في السابع من أكتوبر الماضي.

كما أرادت الولايات المتحدة أن يُصنف القرار الأشخاص الذين اقتادتهم حماس إلى قطاع غزة وعددهم 239 شخصاً، معظمهم من المدنيين، بصفتهم رهائن لا أسرى.

ورفضت الولايات المتحدة القرار أيضا لأنه لم يعترف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

وقد اقترح يحيى السنوار، زعيم حركة حماس، هذا الأسبوع أن يُجرى تبادل “فوري” للمحتجزين مقابل ما يقدر بنحو 6600 فلسطيني في السجون الإسرائيلية. وكانت حماس قد أعلنت عن مقتل 50 أسيراً في الغارات الجوية الإسرائيلية.

ومن باب الإنصاف أن نقول هنا إن كل أولئك الذين أيدوا قرار الأمم المتحدة أو اعترضوا عليه قد لحق بهم العار لأن تسجيل المواقف السياسية كان أهم في حساباتهم من إنقاذ أرواح الأبرياء.

أما الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية، فإن العار يلازمها لنفاقها وازدواجية معاييرها في ظل هيمنة المشاهد المفجعة من غزة على صور الحرب.

وتترسّخ هذه الصورة أكثر بسبب اختلاف تعاطف بايدن وقادة الغرب مع الفلسطينيين مقارنة بتعاطفهم مع الخسائر الإسرائيلية.

والأكيد في حرب غزة أن القسم الجنوبي من العالم، بما في ذلك الدول العربية والإسلامية، ليس لديه خيارات جيدة. فالولايات المتحدة هي القوة الوحيدة المؤثرة في القدس.

ومع ذلك، لا يملك بايدن حرية التصرف الكاملة في هذا الشأن. وبغض النظر عن صدق رغبته في إلزام إسرائيل بالقانون الدولي، فإنه محاصر بقيود سياسية داخلية.

وعلى سبيل المثال، حصل مشروع القانون الذي قدّمه السيناتور الجمهوري مايك جونسون في الكونغرس لدعم إسرائيل على أغلبية ساحقة.

وهو أول قانون يقترحه بعد توليه منصب رئيس مجلس النواب الأمريكي، وهو ما يوضح القيود الداخلية المفروضة على بايدن في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية في العام المقبل.

وسلط مشروع القانون الضوء على الفجوة بين الكونغرس والرأي العام الذي لا يبدي هذا التماهي، إذ خرج الآلاف إلى الشوارع في مدن الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم في مسيرات مناهضة للحرب.

وبالإضافة إلى ذلك، تطالب عائلات المحتجزين الإسرائيليين بعودة أبنائهم وأن يكون ذلك أولوية على حساب الهدف المتمثل في تدمير حماس.

وتذكرنا الاحتجاجات الحالية بالمظاهرات الحاشدة التي اندلعت عام 2003 لرفض الغزو الأمريكي للعراق. وصحيحٌ أن تلك الاحتجاجات لم توقف الأعمال العدائية، لكنها شكلت الرأي العام ورسمت مستقبل قادة سياسيين.

ووسط الأصوات المتضاربة، يبدو أن حتى تلميحات بايدن للضغط على إسرائيل وراء الكواليس من أجل الحد من الحرب والتزام القانون الدولي قد تلاشت.

ولم يتضح على نحو مباشر ما إذا كان الهجوم البري الإسرائيلي المحدود حتى الآن نتيجة للضغوط الأمريكية أم إنه المرحلة الأولى من غزو واسع النطاق لقطاع غزة. ولكن الضغوط الأمريكية لم تقنع إسرائيل بوقف قصفها العشوائي على أي حال.

علاوة على ذلك، فإن صدق إدارة بايدن وقوة نهجه صارا موضع شك بعدما تبين أنه بالإمكان ممارسة ضغط تعجز إسرائيل عن تجاهله إن رغبت الإدارة الأمريكية في ذلك.

فقد هدد بايدن الأسبوع الماضي بأن بلاده ستوقف المساعدات العسكرية لإسرائيل إذ وزعتها على المدنيين الإسرائيليين في الفعاليات السياسية.

وقد برز ذلك التهديد في أعقاب انتشار صور على وسائل التواصل الاجتماعي لوزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير وهو يوزع الأسلحة في فعالية سياسية على فرق أمن مدنية في بني براك وإلعاد، وهما مدينتان يهيمن عليهما اليمين الديني المتطرف.

وردّاً على التهديد الأمريكي، وعدت إسرائيل أن الشرطة والجيش سيقومان وحدهما بتوزيع الأسلحة على القوات التي تشكلت منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر والتي تشرف عليها الشرطة والجيش.

ولم يكن لذلك التهديد أثر على أرض الواقع في غزة، ومع ذلك فهو يوحي بأن الولايات المتحدة لديها القدرة اللازمة للتأثير على سلوك إسرائيل في الحرب.

وفي دليل آخر على نفوذها، صرّح مسؤول أمريكي أن إسرائيل أعادت خدمة الإنترنت في غزة تحت ضغط الولايات المتحدة. وجاء ذلك بعدما قطعت الاتصالات والإنترنت عن القطاع في بداية هجومها البري.

ونشر المحلل تريتا بارسي تغريدة قال فيها: “لا يهدف (الضغط) الذي يمارسه بايدن على إسرائيل إلى منع المجازر الجماعية وجرائم الحرب، بل يهدف إلى إبقاء القصف وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل عند مستوى (مقبول) حتى تبقى الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل تحت السيطرة”.

وسواء كان هذا التحليل دقيقاً أم لا، فإن السؤال المهم هو متى ستصل حسابات المكسب والخسارة الأمريكية إلى نقطة تحول، إذا كان ذلك مطروحاً.

تشير الصور المروعة التي نراها في غزة، والضغوط الشعبية والسياسية الدولية المتصاعدة، والضغوط الأمريكية المحدودة حتى الآن، إلى أن هذه النقطة لا يمكن أن تكون بعيدة المنال.

 

جيمس دورسي: زميل بكلية راجاراتنام للدراسات الدولية بجامعة نانيانغ التقنية في سنغافورة، وزميل شرفي بمعهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية. نقلا عن مؤسسة “فنك” الأوروبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى