Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
دراسات وابحاث

خفايا صراع فرنسي إيطالي على ثروات شمال أفريقيا

كشفت مؤسسة “فنك” الأوروبية عن صراع فرنسي إيطالي على ثروات شمال أفريقيا، في وقت قد يسمح التجاذب بين باريس وروما لبعض الدول الأفريقية بتحسين شروطها التفاوضية مع الدولتين.

وذكرت المؤسسة أنه ما إن حصل الائتلاف اليميني المتطرف على الأغلبية البرلمانية المطلقة في الانتخابات الإيطالية في سبتمبر 2022، حتى انتشرت بسرعةٍ مجموعة من التسجيلات والتصريحات السابقة لزعيمة هذا الائتلاف جورجيا ميلوني، التي انطوت على تهجم مباشر وقاسٍ على الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون، وعلى سياسات الحكومات الفرنسية السابقة.

ومع تكليف ميلوني بتشكيل وترؤس الحكومة الإيطالية بعد تلك الانتخابات، توقع الجميع أن تشهد العلاقات الفرنسية الإيطالية الكثير من التوتر خلال المرحلة المقبلة، نظرًا لموقف ميلوني الحاد والسلبي من الإدارة الفرنسية الحالية. لا بل سرعان ما بدأ كثيرون بالتحذير من تصدعات إضافية داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، نتيجة هذه الخلافات.

اتهامات ميلوني لماكرون وفرنسا

ارتبطت معظم مواقف ميلوني السلبية من ماكرون، بالسباق ما بين إيطاليا وفرنسا على ثروات الدول الأفريقية والنفوذ فيها، وخصوصًا شمال أفريقيا. فميلوني اتهمت فرنسا بالتدخل في ليبيا، للحؤول دون حصول إيطاليا على “امتيازات مهمة” في مجال الطاقة هناك.

كما اتهمت التدخل الفرنسي في ليبيا بالتسبب في فوضى الهجرة غير الشرعية، التي تعاني منها أوروبا اليوم.

أما الأهم، فكان اتهام ميلوني للفرنسيين باستغلال الموارد الطبيعية والمواد الخام في أفريقيا بشكل غير عادل بحق الدول الأفريقية، ما أسهم في دفع الأفارقة للهجرة باتجاه أوروبا.

ولهذا السبب، وبحسب ميلوني، فالحل لوقف الهجرة الأفريقية باتجاه أوروبا ليس “نقل الأفارقة إلى أوروبا، بل تحرير أفريقيا من بعض الأوروبيين”. وفي النتيجة، خاطبت ميلوني ماكرون قائلةً “لا تقدم لنا دروسًا يا ماكرون، لأن الأفارقة يهجرون قارتهم إلى أوروبا بسبب سياساتكم”.

هكذا استعارت ميلوني، القادمة من أقصى اليمين والمناهضة بشدة لحقوق المهاجرين، أدبيات اليسار الأوروبي، للتصويب على فرنسا وسياستها الخارجية في أفريقيا. وبعد وصولها إلى سدة رئاسة الوزراء، حافظت ميلوني على خطابها المتشنج في وجه فرنسا، ملمحة إلى محاولات لعزل إيطاليا داخل أوروبا، بسبب خلافاتها مع فرنسا حول ملفات عديدة.

وفي كل هذه المواجهات ضد الإدارة الفرنسية، لعبت ميلوني على وتر المشاعر القومية في أوساط الإيطاليين، مطالبة باسترجاع “السيادة الشعبية في وجه البيروقراطيين في بروكسيل” (أي الاتحاد الأوروبي)، في استعادة واضحة لخطاب اليمين المشكك بسياسات الاتحاد الأوروبي التي يروج لها ماكرون.

كل ما سبق، يشير بوضوحٍ إلى اتساعٍ نطاق التعارض في المصالح والأولويات، بين إيطاليا وفرنسا، في ما يخص ملفات بشمال أفريقيا.

وهذا ما دفع ميلوني إلى المزايدة بهذا الشكل، والتصويب على ممارسات وتجاوزات فرنسا في أفريقيا، رغم أن إيطاليا تملك بدورها تاريخًا طويلًا من التدخلات والتجاوزات والهيمنة في الدول الأفريقية، بحثًا عن مصالحها الاقتصادية الخاصة، تمامًا كما هو حال فرنسا.

ولهذا السبب، يمكن القول إن ما تستهدفه ميلوني من حديثها عن دور فرنسا السلبي في أفريقيا، هو البحث عن نفوذ إيطالي ينافس النفوذ الفرنسي هناك، لا تحرير أفريقيا من الهيمنة الأوروبية كما تدعي، وهذا تحديدًا ما يمكن تلمسه عند مراجعة نقاط الخلاف بين الطرفين.

الصراع على غاز ونفط شمال أفريقيا

ما إن اندلعت الحرب الأوكرانية، وما تلاها من تراجع في واردات الغاز والنفط الروسيين باتجاه أوروبا، حتى بدأت جميع دول الاتحاد الأوروبي بالبحث عن مصادر بديلة وسلاسل جديدة لتوريد لهذه المواد.

وبطبيعة الحال، كانت دول شمال أفريقيا، وخصوصًا ليبيا والجزائر، إحدى أقرب مصادر النفط والغاز البديلة. كما مثلت هذه الدول بوابة يمكن من خلالها توريد الغاز والنفط عبر الأنابيب من دول أفريقية أخرى، كالنيجر مثلًا.

ومنذ ذلك الوقت، أرادت إيطاليا أن تصبح مركزًا لاستيراد وتخزين مصادر الطاقة الواردة من أفريقيا، بما يسمح لها بإعادة توزيع النفط والغاز باتجاه سائر الدول الأوروبية.

مع الإشارة إلى أن إيطاليا تطمح من خلال هذا الدور إلى زيادة أهميتها الجيوسياسية، والحصول على مكاسب مادية من رسوم عبور النفط والغاز عبر أراضيها، بالإضافة إلى تمكينها من شراء المحروقات من الموردين بأسعارٍ تفضيلية.

ولهذا السبب، شرعت إيطاليا بالتفاوض مع الجزائر، لزيادة واردات الغاز الجزائري المتدفقة باتجاه إيطاليا عبر الأنابيب، ولجعل إيطاليا مركزًا لإعادة توزيع الغاز الجزائري باتجاه سائر الدول الاوروبية.

كما عادت لتحريك مشروع خط غاز شرق المتوسط، الذي يفترض أن ينقل -عبر الأنابيب- غاز الحقول القبرصية والإسرائيلية والمصرية، باتجاه السوق الإيطالية.

في الوقت نفسه، اندفعت إيطاليا لتنشيط اتصالاتها مع أطراف النزاع داخل ليبيا، بحثًا عن حصة أكبر من النفط الليبي.

وفي كل تلك المشاريع، كانت إيطاليا تنافس إدارة ماكرون في فرنسا، التي كانت تحاول بدورها أن تصبح مركز استقطاب غاز ونفط شمال أفريقيا، لإعادة توزيعه باتجاه سائر الدول الأوروبية.

ولتحقيق ذلك، حرص ماكرون على زيارة الجزائر، لرأب الصدع في العلاقات الفرنسية الجزائرية، بهدف حصول فرنسا على إمدادات الطاقة من الجزائر في المستقبل.

كما نجح ماكرون بدفع الاتحاد الأوروبي لتوقيع مذكرة تفاهم مع مصر وإسرائيل، بهدف تسييل غاز الدولتين، وشحنه عبر ناقلات الغاز إلى محطات التخزين في فرنسا.

أما في ليبيا، فاستمرت فرنسا باستعمال دبلوماسيتها، لتعزيز نفوذها وضمان حصولها على إمدادات النفط الليبي.

على هذا النحو، دخلت فرنسا وإيطاليا في سباق محموم للسيطرة على مصادر الطاقة في شمال أفريقيا، التي تسمح لكل منهما بالتحول إلى مركز لإعادة توزيع النفط والغاز في أوروبا.

وعوضًا عن التعاون لوضع الخطط التي تكفل أمن الطاقة لجميع دول الاتحاد الأوروبي، باتت الدولتان في حالة خصومة على الساحة الأفريقية.

خطة ميلوني لاستعادة “الدور الاسترتيجي” لإيطاليا

أمام هذا الواقع، تراهن جورجيا ميلوني اليوم على خطة تعاون جديدة مع دول شمال أفريقيا أسمتها “خطة إنريكو ماتي”، بهدف استعادة “الدور الاستراتيجي” لبلادها في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وخصوصًا في شمال أفريقيا.

مع الإشارة إلى أن إنريكو ماتي هو المؤسس الراحل لمجموعة “إيني للطاقة”، الذي تمكن من تطوير صفقات ناجحة في مجال استخراج النفط والغاز مع العديد من الدول النامية، كالجزائر مثلًا.

ومن خلال هذه الخطة، تسعى ميلوني اليوم إلى عقد اتفاقيات ثنائية جديدة ومتفرقة مع دول شمال أفريقيا، بما يسمح لإيطاليا باستعادة نفوذها في حوض البحر الأبيض المتوسط، من بوابة الاقتصاد وصفقات قطاع الطاقة.

ولتنجح في عقد هذه الصفقات، ستسعى الخطة إلى تقديم عروض وامتيازات جذابة لأنظمة الدول الأفريقية، مقارنة مع الصفقات المعروضة عليهم من جانب دول اخرى، كفرنسا أو روسيا أو الصين.

وهذا تحديدًا ما لمحت إليه ميلوني في كلمتها أمام مجلس الشيوخ الإيطالي، حين أشارت إلى أنه “حين يجري عقد تعاون شراكة مع شخص ما فمن الجيد أن يستفيد الجانبان”، بعكس ما تقوم “الدول الأخرى” التي تنشط في شمال أفريقيا. وهذه المقاربة، بحسب ميلوني، هي ما ستسمح لإيطاليا بأن تكون “بطلة المشروع الأوروبي في أفريقيا”.

وإلى جانب الصفقات الاقتصادية، تسعى ميلوني في الوقت نفسه للدخول على خط تعزيز تدخل إيطاليا الأمني في القارة الأفريقية، بالاستفادة من تراجع حضور فرنسا العسكري في العديد من دول غرب وساحل أفريقيا.

وهذا تحديدًا ما دفعها خلال شهر ديسمبر/كانون الأول إلى إطلاق تصريحات تشير إلى أن بلادها “تستطيع قيادة مكافحة الإرهاب في أفريقيا وتعزيز التعاون والنمو الاقتصادي والتجاري بين الاتحاد الأوروبي ودول القارة”، معتبرةً أن “الاستقرار والأمن في أفريقيا يعدان شرطًا مسبقًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الأوروبية والأفريقية معًا”.

من الناحية العملية، قد يسمح التجاذب الفرنسي الإيطالي لبعض الدول الأفريقية بتحسين شروطها التفاوضية مع الدولتين، خصوصًا إذا قدمت كل من فرنسا وإيطاليا بعض التنازلات في سياق تسابقهما على عقد الصفقات الاقتصادية في أفريقيا.

لكن في الوقت نفسه، من المعلوم أن فكرة استعادة الدور الإيطالي الحيوي في حوض المتوسط طرحت مرات عديدة خلال العقود الماضية، كما حاولت العديد من الحكومات الإيطالية تحقيقها، دون أن تنجح بذلك، بسبب تراجع نفوذ إيطاليا السياسي والدبلوماسي .

ولهذا السبب، قد لا تتمكن ميلوني من منافسة الدور الفرنسي على النحو الذي تطمح إليه، ولو أظهرت تحركاتها الأخيرة أنها تحاول القيام بذلك فعلًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى