Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

مؤسسة أوروبية: هكذا تم رفع الجدران بين أوروبا وشمال أفريقيا

اعتبرت مؤسسة “فنك” الأوروبية أن خطوة إلغاء معاهدة الإعفاء من التأشيرات بين صربيا وتونس من شانها رفع الجدران بين أوروبا وشمال أفريقيا.

وأشارت المنظمة إلى إعلان صربيا في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنها ستقوم بإلغاء الإعفاء الممنوح للتونسيين، والذي كان يسمح لهم بدخولها دون تأشيرات مسبقة.

وابتداءً من 20 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، سيكون على المواطنين التونسيين الراغبين بزيارة تونس التقدم بملف كامل، يتضمن تبريرات للزيارة ووثائق مصرفية وإثباتات تؤكد وجود حجز فندقي وتذكرة طيران للعودة. كما سيكون عليهم تأمين دعوات رسمية من داخل صربيا، إذا كانت الزيارة لغايات تجارية.

ويعود نظام الإعفاء من التأشيرات، الذي تم إلغاؤه الآن، إلى العام 1965، حين تم استحداث معاهدة تسمح لمواطني البلدين بالاستفادة من هذه التسهيلات، طالما أن مدة الزيارة لن تتجاوز التسعين يومًا.

ورغم أن هناك 65 دولة أخرى حول أنحاء العالم تسمح للتونسيين بالوصول إليها دون موافقات مسبقة، إلا أن صربيا كانت الدولة الأخيرة ضمن نطاق القارة الأوروبية، التي تعتمد نظام الإعفاء من التأشيرات.

مع الإشارة إلى أن صربيا ليست عضوًا رسميا في الاتحاد الأوروبي، لكنها مرشحة منذ 13 سنة للانضمام إليه.

عمليا، كان من الواضح أن هذا القرار جاء بضغط مباشر من الاتحاد الأوروبي، الذي يحاول منذ مدة التضييق على هذا النوع من المعاهدات التي تعتمدها صربيا، رغم أن صربيا لم تدخل الاتحاد بعد.

فقبل صدور هذا القرار بأسبوع، تعرضت صربيا لموجة انتقادات من وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي، الذين اعتبروا أنها تشكل بوابة لتدفق اللاجئين باتجاه دول الاتحاد.

كما أصر وزراء الداخلية الأوروبيين على إخضاع صربيا لتدقيق وثيق، بشأن ما يعتبرونه إجراءات فضفاضة وغير محكمة تتعلق بتأشيرات السفر، ومنها معاهدة الإعفاء من التأشيرات مع تونس.

وهكذا، تمكن الاتحاد الأوروبي من إجبار صربيا على إلغاء هذه المعاهدة، التي تجمعها بتونس منذ 57 سنة. وفور صدور هذا القرار، أكدت ردود الفعل الأوروبية دور الاتحاد الأوروبي في الضغط على صربيا بهذا الاتجاه.

فمفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار ومفاوضات التوسع أوليفر فاريلي رحب باتخاذ صربيا هذه “الخطوة المهمة، للتوافق مع قائمة الاتحاد الأوروبي للتأشيرات المطلوبة للبلدان الثالثة”.

كما بدا أن الاتحاد الأوروبي مازال يطالب صربيا بمزيد من الخطوات المماثلة، حيث أضاف فاريلي “نأمل أن نرى المزيد من التحسينات قريبًا”، في إشارة إلى سائر معاهدات الإعفاء من التأشيرات التي تجمع صربيا بدول أخرى، والتي يرغب الاتحاد الأوروبي بإلغائها.

الإشكالية الأساسية في الضغوط الأوروبية تكمن في أن صربيا ليست ضمن منطقة شنغن، ما يعني أن التونسيين الوافدين إليها لا يتمتعون بحق التجول في سائر دول الاتحاد الأوروبي، وهذا ما دفع البعض إلى اعتبار تدخل الاتحاد الأوروبي بعلاقات صربيا مع تونس تدخلًا جائرًا وغير منصف.

مع الإشارة إلى أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين حاولت ابتزاز صربيا لإجبارها على إلغاء معاهدة الإعفاء من التأشيرات، عبر التلويح بإمكانية حرمان مواطني صربيا من دخول منطقة شنغن من دون تأشيرات إذا لم تستجب صربيا ضغوط الاتحاد الأوروبي.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض منتقدي الضغوط الأوروبية، والقرار الصربي الأخير، يشيرون إلى أن نحو 80% من المهاجرين الذين عبروا صربيا باتجاه دول الاتحاد الأوروبي ينتمون إلى كل من سوريا وأفغانستان.

ونحو 20% فقط من هؤلاء يتحدرون من الدول المستثناة من التأشيرات في صربيا (أي تونس وبوروندي والهند وكوبا وتركيا).

وبهذا المعنى، لا يوجد ما يؤكد العلاقة بين سهولة التسلل إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهذا النوع من المعاهدات التي عقدتها تاريخيا صربيا مع دول عديدة، قبل عقود طويلة من بدء ظاهرة الهجرة غير الشرعية بالتوسع.

وبمجرد اتخاذ هذا القرار، ورغم أن إلغاء الإعفاء من التأشيرات لن يصبح ساري المفعول إلى بعد 20 نوفمبر/تشرين الثاني، عمدت صربيا فورًا إلى احتجاز نحو 60 تونسيا في مطار بلغراد، رغم حيازتهم لأوراق دخول نظامية بحسب الإجراءات المعتمدة بين الدولتين.

وبحسب الناشطين التونسيين، عملت السلطات الصربية على منع المحتجزين من التواصل مع المنظمات الحقوقية، بينما قامت بتبرير هذا الاحتجاز بمكافحة ظاهرة الهجرة الشرعية.

وكان من الواضح أن هذه الخطوة غير القانونية جاءت لتتكامل مع خطوة إلغاء نظام الإعفاء من التأشيرات، وبما يتماشى مع الشروط التي فرضها الاتحاد الأوروبي، من خلال التضييق على المسافرين التونسيين الوافدين بشكل شرعي.

في مقابل القرار الصربي، تحفظ وزير الخارجية التونسي محمد الطرابلسي على هذا القرار، مشيرًا إلى أن صربيا قامت باتخاذها بشكل أحادي، أيْ بدون أي تنسيق أو إخطار مسبق للجانب التونسي.

وكحال سائر منتقدي القرار، أشار الطرابلسي إلى أن فرض التأشيرات على هذا النحو لن يساهم في التضييق على الهجرة غير الشرعية، في تشكيك واضح بالتسهيلات التي يؤمنها الإعفاء من التأشيرات للباحثين عن طرق للهجرة غير الشرعية.

وبينما تحاول السلطات التونسية حاليا التفاوض مع صربيا للتراجع عن هذا القرار، يشكك كثيرون بإمكانية نجاح هذا المسعى، بالنظر إلى حجم الضغوط التي مارسها الاتحاد الأوروبي على صربيا لإلغاء الإعفاء من التأشيرات.

كل هذه التطورات تأتي في سياق ما يعتبره البعض جدرانا ترفعها الدول الأوروبية في وجه شعوب شمال أفريقيا، بحجة تعامل الهجرة غير الشرعية.

فعلى سبيل المثال، ومنذ نهاية العام الماضي، قلصت السلطات الفرنسية عدد تأشيرات الدخول المؤقت الممنوحة للمواطنين المغاربة بنسبة تقارب ال50%، فيما قلصت عدد هذه التأشيرات بنسبة 30% بالنسبة للتونسيين.

وفي النتيجة، بلغت نسبة طلبات التأشيرات التي رفضتها السلطات الفرنسية بالنسبة للمواطنين المغاربة نحو 80% من إجمالي الطلبات، وهو ما يُعد نسبة مرتفعة جدا.

وشملت الطلبات المرفوضة أطباء أرادوا حضور مؤتمرات مهنية ضرورية لعملهم، بالإضافة إلى رجال أعمال وفنانين وطلبة ومرضى ووزراء سابقين، وهو ما أثار حفيظة شرائح واسعة من الشرائح المعنية بهذه القرارات، خصوصًا أن هذه الممارسات لم تكن معهودة خلال السنوات الماضية.

مع الإشارة إلى أن فرنسا كانت تعمد في السابق إلى تسهيل منح هذا النوع من التأشيرات، حين يتعلق الأمر بزيارات مبررة، وبفئات تملك مصالح تقتضي السفر إلى داخل الأراضي الفرنسية، خصوصًا بالنسبة إلى دول شمال أفريقيا التي تملك مجتمعاتها صلات قرابة داخل المجتمع الفرنسي.

أما أهم ما في الموضوع، فهو أن طبيعة الطلبات المرفوضة، والتي تتصل بزيارات مبررة ولا تدفع لأي شك، لا ترتبط بأي شكل من الأشكال بظاهرة الهجرة غير الشرعية، وهو ما جعل القرارات الفرنسية غير مفهومة الأسباب بالنسبة لمواطني الجزائر والمغرب وتونس.

ومن الناحية العملية، يبدو من الواضح أن هذا النوع من القرارات تأتي في ظل ضغط واضح من أحزاب اليمين في العديد من الدول الأوروبية، ومنها فرنسا، في وجه ارتفاع نسبة الوافدين الأجانب إلى هذه الدول.

ولهذا السبب، يبدو أن فرنسا، وسائر الدول الأوروبية، لجأت إلى تقييد حركة الدخول إليها، في محاولة لامتصاص النقمة المستجدة تجاه تدفق اللاجئين إلى أوروبا.

إلا أن هذه القرارات جاءت بآثار قاسية، على الكثير من طالبي تأشيرات الدخول، من غير الساعين إلى الهجرة أصلًا، الذين تضررت مصالحهم نتيجة حرمانهم من دخول فرنسا دون سبب واضح.

ورغم أن هؤلاء لا يمثلون أي تهديد على مستوى الهجرة غير الشرعية، يبدو أن الرئيس الفرنسي إمانيويل ماكرون يحاول التضييق عليهم، بهدف الضغط على حكومات دولهم للتعاون في ملف الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من سواحلهم.

كما يحاول ماكرون بهذه الطريقة الضغط على هذه الحكومات لاستعادة رعاياهم الموجودين بشكل غير شرعي على الأراضي الفرنسية، وهو ما صرح به شخصيا في إحدى المقابلات قائلًا “إذا لم تستعيدوا الأشخاص الذين طُلب منهم مغادرة التراب الفرنسي، سنقيد منح التأشيرات”.

وبهذا الشكل، يقوم ماكرون باستخدام طالبي التأشيرات الشرعية، كورقة ابتزاز في وجه سلطات دولهم. وهذا الأداء من جانب ماكرون بالتحديد أثار العديد من الانتقادات، لكونه يحمل فئات شعبية لا علاقة بالمناكفات السياسية مسؤولية علاقة السلطات الفرنسية بحكوماتهم، وهو ما يضر في الوقت الراهن بالعلاقات الاجتماعية المتداخلة بين فرنسا ودول شمال أفريقيا.

كل هذا المشهد، إلى جانب ضغوط الاتحاد الأوروبي التي أفضت إلى إلغاء معاهدة الإعفاء من التأشيرات بين صربيا وتونس، يشيران إلى أن الدول الأوروبية ترد على ظاهرة الهجرة غير الشرعية بقسوة غير مبررة تجاه شعوب شمال أفريقيا، وبقرارات لن تنجح أساسًا بالتعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية.

أما النتيجة، فستكون المزيد من التباعد بين أوروبا والشعوب التي تستهدفها بهذا النوع من القرارات، وهو ما سيؤثر على نظرة هذه الشعوب لأوروبا في المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى